سورة الشعراء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)} [الشّعراء: 26/ 105- 122].
هذه قصة أول رسول بعثه الله إلى النّاس، بعد أن عبدوا الأصنام والأوثان، وهو نوح عليه السّلام الذي مكث يدعو قومه لعبادة الله ألف سنة إلا خمسين، فكذّبه قومه، حيث ذكر الله سبحانه: كذب قوم نوح رسل الله، والمراد نوحا عليه السّلام، لأن من كذّب رسولا واحدا، فقد كذّب جميع الرّسل، وذلك حين قال لهم أخوهم إخاء جنس في الإنسانية والقومية: ألا تخافون الله في عبادتكم غيره؟! ثم وصف نوح عليه السّلام نفسه بصفتين بقوله: إني رسول من الله إليكم، أمين فيما بعثني الله به لكم، فخافوا عذاب الله وانتقامه، وأطيعوني فيما آمركم به من توحيد الله وعبادته وطاعته. ولا أطلب منكم أجرا أو جزاء على نصحي لكم، إن ثوابي على الله ربّ العوالم كلها من إنس وجنّ. فاتّقوا الله باتّباع أوامره واجتناب نواهيه، وكرّر ذلك للتوكيد، لأن التقوى والطاعة أساس الدين، وكلمة جامعة للدّين كله.
فأجابوه مستكبرين بعنصرية وترفّع: كيف نصدّقك، وقد اتّبعك الأراذل السّفلة في المجتمع؟ وكيف نتأسى بهم، فإنهم ضعاف الناس وأدنياؤهم وفقراؤهم، أي هم أهل الصنائع الخسيسة، ونحن السّادة أصحاب النّفوذ والثّراء.
فأجابهم نوح عليه السّلام: لا علم لي بأعمال هؤلاء وصنائعهم، ولا أبحث عن شؤون معيشتهم وأساليب حياتهم، وليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة، فإنما أتعامل مع ظواهرهم، ويبقى حسابهم على الله تعالى، فإن كنتم ذوي مشاعر مرهفة وأحاسيس صادقة، ويا ليتكم تشعرون بهذا الشعور، وتعلمون أن حسابهم على ربّهم، لما عيّرتموني بصنائعهم. والقصد من ذلك: الإنكار عليهم بتسمية المؤمنين أراذل، بسبب الفقر ودنوّ الصنعة.
وليس من شأني طرد هؤلاء المؤمنين الضّعفاء من مجلسي، وإنما بعثت نذيرا واضح الإنذار، فمن أطاعني كان مني وأنا منه، شريفا كان أو وضيعا. فلجأ القوم إلى التهديد قائلين: لئن لم تنته يا نوح عن دعوتك إيانا إلى دينك، لنرجمنّك بالحجارة، أي القتل بها.
فقال نوح: يا ربّ، إن قومي كذّبوني في دعوتي إياهم إلى الإيمان بك، فاحكم بيني وبينهم حكما عدلا، تنصر به أهل الحق، وتدفع الباطل وتبيده، ونجني من العذاب، مع من آمن برسالتي، وصدّق بدعوتي.
فأجاب الله دعاءه، وأنجاه مع من آمن بدعوته، وأنقذهم بالسفينة المملوءة بالناس، والمتاع، وأصناف الحيوان، حفاظا على أصول النوع الحيواني. وكان النّاجون ثمانين، أربعين رجلا، وأربعين امرأة.
إن في إنجاء المؤمنين، وإغراق الكافرين، لعبرة وعظة لكل من صدّق أو كذّب بالرّسل. وإن ربّك لهو القويّ الغالب المنتقم ممن كفر به، وخالف أمره، الرّحيم بمن أطاعه وأناب إليه، فلا يعاقبه.
دعوة هود عليه السّلام:
تشابهت دعوة هود مع دعوة نوح عليهما السّلام، إلى عبادة الله وحده، وتقواه وإطاعته، والتّهديد بسوء العاقبة والمصير، إن كذّبوه وعارضوه، وانفرد هود عليه السّلام بالتّنديد بجبروت قومه، واعتمادهم على المصانع والمباني الموهمة بالخلود.
وانتهت القصّتان بإعلان أن الفئة المؤمنة قليلة، وأن الله ذو العزّة والقوة الغالبة، والرّحمة أيضا، وذلك بعبارة: {وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وهي العبارة نفسها التي انتهت بها سابقا قصة موسى مع فرعون، وقصة إبراهيم مع قومه، وتنتهي بها أيضا قصص الأنبياء الآخرين: وهم صالح مع قومه ثمود، ولوط مع قومه، وشعيب مع أصحاب الأيكة. وهذه آيات تخبر عن قصة هود مع قومه:


{كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)} [الشّعراء: 26/ 123- 140].
افتتحت هذه الآيات في خبر هود عليه السّلام بما افتتحت به الآيات في خبر قوم نوح بعبارات ست متشابهة هي: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} الآيات، {وكَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)} الآيات، وعاد: قبيلة عربية عاتية، كانوا يسكنون الأحقاف:
وهي جبال الرمل قرب حضرموت في بلاد اليمن، وهم في الزمان بعد قوم نوح.
لقد كذّبت عاد رسولها هودا عليه السّلام، حين قال لهم أخوهم في النّسب القبلي:
ألا تتّقون عذاب الله، إني لكم رسول أمين على رسالتي من عند الله، فاتّقوا الله فيما أمر به، وانتهوا عما نهى عنه، وأطيعوني فيما آمركم وأنهاكم عنه، يصلح حالكم، وتسعدون سعادة في دنياكم وآخرتكم ولا أطلب منكم على تبليغ رسالتي أجرا أو عوضا، ولا أطلب جاها، إن ثوابي وجزائي على الله، لو علمتم ذلك، ولكنهم كذّبوه وآذوه. وهذه العبارات بذاتها جاءت على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، للتنبيه على وحده الهدف، ووحدة رسالات الأنبياء في الدعوة إلى توحيد الله وطاعته، وترك عبادة ما سواه. ثم عاب هود عليه السّلام قومه في أمور ثلاثة وهي:
- أتعمرون بكل مكان مرتفع بنيانا شامخا، علامة على العزّة والقوة، وتفعلون ذلك عبثا لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة، لا للحاجة إليه.
- وتتّخذون مباني مصنّعة ومتقنة البناء، من قصور مشيدة، وحصون منيعة، على أمل الخلود فيها، ورجاء السكنى والانتفاع بها على الدوام، مع أنكم مرتحلون عنها.
- وإذا بطشتم بغيركم في تعاملكم معهم، والبطش: الأخذ بقوة وسرعة، بطشتم بطش الجبابرة، أي المتكبّرين العتاة.
فاحذروا عقاب الله الذي أمدّكم بما تعلمون من النّعم الوفيرة، ورزقكم بالأنعام (الإبل والبقر والغنم) والأولاد الكثيرة، وأوجد لكم البساتين الغنّاء، والعيون الجارية بالماء العذب، فاجعلوا مقابل هذه النّعم عبادة الله المنعم بها، لتكونوا أوفياء للمعروف.
وإني أخشى عليكم إن كذبتم، وخالفتم وأصررتم على الكفر عذاب يوم شديد الأهوال.
فأجابه قومه: يستوي عندك وعظك لنا وتحذيرك إيانا، وعدم الوعظ، فإنا لا نفارق ما نحن عليه. وما جئت به من دعوة ما هو إلا اختلاق السابقين، وافتراؤهم وكذبهم، فأنت على منهاجهم، ولسنا نحن بمعذّبين أبدا، خلافا لما تقول.
فكان الموقف النّهائي أنهم كذّبوا هودا عليه السّلام، فيما أتى به، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية، أي شديدة الهبوب، وذات البرد الشديد، إن في إهلاك عاد بسبب التكذيب لرسولهم، لعبرة واضحة لكل الأقوام، فيما أتاهم به رسول الله، ولم يكن أكثر هؤلاء المهلكين بمؤمنين في سابق علمنا، وإن ربّك لهو صاحب العزّة المطلقة، ينتقم من أعدائه، والرّحيم بعباده المؤمنين، إن تابوا وأصلحوا أعمالهم.
إن الاتّعاظ بإهلاك قبيلة عاد الشديدة العاتية أمر واجب على أهل الإيمان والعقل الراجح، فيكون الجزاء لأمثالهم المكذّبين واحدا، لاتّحاد سبب الجزاء.
دعوة صالح عليه السّلام:
استمرّ نهر العناية الإلهية متدفّقا بإرسال الرّسل المصلحين لأقوامهم الضّالّين، من أجل تضافر الجهود للقضاء على بذرة الوثنية، وبناء صرح الدعوة إلى الإله الواحد، وعبادته، وإصلاح مسيرة الحياة الإنسانية، وتوجيه النفوس نحو حقيقة معبودها الخالق البارئ المصوّر، الرّازق عباده برزق وفير، والراحم أهل التقوى والاستقامة المنيبين إليه. وكان التركيز في الإصلاح الإلهي على أهل العالم القديم في بلاد الشام وشبه جزيرة العرب، مثل قبيلة عاد في اليمن، وثمود في مدينة الحجر التي بين وادي القرى والشام، على طريق المدينة، ومساكنهم معروفة مشهورة. قال الله تعالى واصفا دعوة صالح إلى قومه ثمود:


{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)} [الشّعراء: 26/ 141- 159].
لقد بادرت قبيلة ثمود إلى تكذيب رسولها وهو صالح عليه السّلام، حين قال لهم صالح: ألا تتّقون عقاب الله، فتؤمنوا به وحده وتعبدوه، وتطيعوني فيما بلّغتكم من الرّسالة، فإني رسول من عند الله تعالى، أمين على رسالته التي كلفني بتبليغها، ولا أطلب على نصحي لكم عوضا ولا جزاء، فما جزائي إلا على الله الذي أرسلني:
وهو ربّ العوالم كلها، من إنس وجنّ.
ثم ذكّرهم صالح عليه السّلام بنعم الله عليهم، ونهاهم عن الفساد في الأرض، في موضوعات ثلاثة:
الأول- أتظنّون أنكم مخلّدون في نعيم الدنيا، تتمتعون في البساتين وعيون الماء، والزروع والثمار، والنخيل ذات الثمار اللينة الهضم، وهو الرّطب.
الثاني- وتتخذون في الجبال بيوتا، حاذقين في نحتها وبنائها فارهين. أي جاعليها ذات منظر جيد، ونوع قوي الكمال، متنافسين في عمارتها، من غير حاجة إلى السّكنى فيها.
الثالث- ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي، وارتكاب الخطايا والتّرف والمجون، ويفسدون في الأرض فسادا خالصا، ليس معه شيء من الصلاح.
وقال: {وَلا يُصْلِحُونَ} بعد قوله: {يُفْسِدُونَ} لبيان أن فسادهم تام خالص.
فأبى قوم ثمود نصيحة نبيّهم صالح عليه السّلام ودعوته إلى عبادة ربّهم عزّ وجلّ، وبادروا إلى اتّهامه بأنه مغلوب على عقله بالسحر، أي قد سحرت، فأنت لذلك مخبول، لا تنطق بكلام قويم.
وإنك مجرد بشر مثلنا، لم ينزل عليك وحي من الله دوننا، كما جاء في آية أخرى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)} [القمر: 54/ 25- 26]. وإن كنت صادقا فيما تدّعي من النّبوة، فأت بعلامة تدلّ على صدقك. روي أنهم اقترحوا خروج ناقة من جبل من جبالهم.
فلما خرجت الناقة بدعاء صالح عليه السّلام أن يجيبهم ربه إلى سؤالهم، قال: هذه آية دليل على صدقي، وهي معجزة لا يستطيعها غير نبي بإذن الله وإيجاده ترد ماءكم يوما فتشربه كله، وتردونه يوما آخر أنتم، وتحلبون منها ما شئتم.
وإياكم أن تصيبوها بأذى من ضرب أو قتل أو عقر، أو غير ذلك، فيصيبكم عذاب شديد. ووصف اليوم بصفة {عَظِيمٍ} للدلالة على عظم أهواله، فعقروا النّاقة، أي ذبحوها بعد أن قطعوا قوائمها بالسيف، بفعل قدار الأحمر. ونسب العقر إلى جميعهم لأنهم اتّفقوا معه على ذلك رأيا وتدبيرا، فنزل عليهم عذاب من الله:
وهو الزلزال الشديد، والصيحة التي اقتلعت القلوب من مواضعها.
إن في ذلك المذكور من قصة صالح عليه السّلام، وتكذيب قومه لرسالته، وذبحهم الناقة التي هي معجزة من عند الله، لعبرة وعظة لمن اعتبر واتّعظ، ولم يكن أكثرهم مؤمنين بالله ورسله، وإن ربّك لهو المنتقم من أعدائه، الرّحيم بأوليائه المؤمنين إن تابوا وأنابوا إليه.
وقد ختمت القصة بهذه الخاتمة كغيرها من قصص إبراهيم ونوح وهود ولوط وشعيب لتأكيد العظة والاعتبار بحال المكذبين.
دعوة لوط عليه السّلام:
لم تختلف دعوة لوط عليه السّلام عن دعوات الأنبياء الآخرين، المتقدمين والمعاصرين قبل دعوة النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان قومه يسكنون في سدوم من أعمال غور الأردن، وهي عمورة وثلاث مدائن أخرى، بجوار البحر الميت (بحيرة لوط) وجوهر دعوته هي المطالبة بعبادة الله عزّ وجلّ، وحده لا شريك له، وإطاعة الرّسل، والنّهي عن المعاصي، ولا سيما الفواحش التي اقترفوها دون غيرهم. وكان مصيرهم كغيرهم من الأمم الأخرى التي كذّبت الرّسل، فدمّرهم الله تعالى عن آخرهم بعذاب شديد: هو إنزال حجارة ممطرة من السماء عليهم، فأهلكتهم وأبادتهم.
وهذه آيات مجيدة تصف أفعال هؤلاء القوم وعقابهم، قال الله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6